التخطي إلى المحتوى الرئيسي

معالم وقفية: الرُشد الرُشد تثمّروا

 


الرُّشْد الرُّشْد تُثمّروا!

 

اطّلعتُ على التقرير الصادر من مؤسسة الملك خالد 2025 والذي يحمل عنوان:  آفاق القطاع غير الربحي رحلة الريال إلى الـ100 مليار، وأشكرهم على هذا الجهد المبذول، والعمل المتميّز.

ولأن الأوقاف تعدّ أحد أبرز مكونات الاستدامة في القطاع غير الربحي، رغبتُ الإشارة إلى بعض ما جاء في هذا السياق في تقرير الآفاق، مع تعليق موجز مفيد -إن شاء الله- للعاملين في الأوقاف خاصة والقطاع غير الربحي بشكل عام.

 فعلى الرغم من تجاوز إجمالي الأصول الوقفية 430 مليار ريال سعودي إلا أنها تواجه تحديات متمثلة في الحوكمة والإدارة المالية؛ إذ لا تتجاوز متوسط العوائد الاستثمارية لها 1.9%، بل تنخفض إلى أقل من 1% في الأوقاف المجتمعية!؛ مما يدل على وجود خلل في القرارات الاستثمارية، وإدارة المخاطر المالية، وحذر مفرط غير مدروس في إدارة الاستثمار الوقفي في الأوقاف -خاصة في الأوقاف العقارية-؛ فنتج عن ذلك تعرّض عدد من الأصول الوقفية إلى التعثر أو الإهمال، أو أن تكون أراض غير مستغلّة، مع كونها أكثر عرضة لمعدلات الإهلاك المرتفعة، وضعف الصيانة اللازمة، وقد يضاف إليها عدم وجود مال كافٍ لتطويرها.

ومما يجب القول به هنا أهمية النظر في القرار الاستثماري الرشيد لصنّاع القرار في الأوقاف، وهو الذي يقوم على اختيار البديل الاستثماري الذي يعطي أكبر عائد استثماري بين بديلين فأكثر، مستنداً إلى دراسات جدوى تُجرى ضمن مراحل متعددة، ووفق حدود مقبولة من المخاطر، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وذلك على أيدي فريق عمل جامع بين الخبرة الاستثمارية والوقفية.

هذا مع ملاحظة التقارير المتعلقة بالاستثمار العقاري لعام 2024 التي تشير إلى معدلات نمو جيدة في حجم الصفقات والأسعار، واستمرارٍ ذلك النمو للسوق في عام 2025، مع توسع في القطاع اللوجستي، واستقرار في القطاع التجاري؛ مما يؤكد أهمية اقتناص الفرص الاستثمارية وفق مراحل السوق، وهذا لن يكون إلا وفق رُشْد القرارات الاستثمارية.

وبعد أيا أوقافنا المباركة.. عليكم ألا تَهنوا في طلب سبل التنمية، فالقرار الاستثماري الرشيد استراتيجي الاستدامة، ممتد الأثر، متجدد وفق متطلبات العصر، وهو ما نحتاجه كثيراً في الأوقاف؛ إذ الاستثمار "رهان المستقبل"، فالرّشد الرّشد تثمّروا..

وهذا ختم المَعْلَم.

د. أسامة بن علي الغانم

متخصص في تطوير الأعمال في القطاع غير الربحي والمستشار في الأوقاف والوصايا

0504496464

 dr.oalghanem1@gmail.com


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التحفيز على تطبيق الحوكمة في الأوقاف

   التحفيز على تطبيق الحوكمة في الأوقاف   تبذل الهيئة العامة للأوقاف -مشكورة- جهوداً في تنظيم كل ما من شأنه الارتقاء بقطاع الأوقاف، ومن آخر مشاريعها المتميّزة: مشروع وثيقة مبادئ حوكمة الأوقاف ، والذي يسعى لتعزيز أفضل ممارسات الحوكمة في المجال الوقفي، وتطوير قواعدها وسياساتها؛ بما يسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الوقفية، والاستدامة المؤسسية، والآثار الاجتماعية، ويقوّي التكامل بين الجهات الرقابية والتشغيلية؛ لتحقيق الامتثال الفعّال. ودَعَت الهيئة جميع المعنيين بالقطاع الوقفي مشاركتها الرأي في المشروع من خلال رابط المشاركة في منصة استطلاع التابعة للمركز الوطني للتنافسية عبر الرابط التالي: https://t.co/njVkSM4y88 . وقد أرسل إليّ الأخ العزيز مدير الإدارة العامة بوقف الشريف غالب الأستاذ الشريف: محمود بن هاني آل غالب -وفقه الله- بإحسان ظنّ منه في أخيه -جزاه الله خيراً- تعليقه ورأيه المبارك في المشروع -وهو منشور في التعليقات على المشروع في منصة استطلاع-، ورأيتُ ضمن اقتراحاته وضع نظام تصنيف ثلاثي لتحفيز الأوقاف على الالتزام بالحوكمة، ويكون إطاراً تدريجياً لتطبيق مبادئ الح...

من وثيقةِ عمر-رضي الله عنه- إلى وثائقِنا اليوم!

من وثيقةِ عمر-رضي الله عنه- إلى وثائقِنا اليوم يقف الفاروق عمر -رضي الله عنه- على أرض خضراء في خيبر تتلألأ بالنخيل، يتأمل ملكًا نفيسًا وهبه الله له، وقلبه يتوق أن يجعله صدقة جارية لا تنقطع، فيُولّي شطر قلبه إلى رسول الله ﷺ يستشيره، فيجيبه ﷺ بكلمات خالدة: "إن شئت حبّست أصلها، وتصدّقت بها". فكتب عمر -رضي الله عنه- أول وثيقة وقفية مكتوبة في الإسلام، وحدد فيها المقاصد والأغراض، وضبط الشروط والمصارف، ووضع صلاحيات التصرّف؛ ليضع هذا الصحابي الجليل المُلهم حجر الأساس لأعظم نظام استثماري اجتماعي مستدام تعرفه البشرية، وهو: "الوقف". وحين النظر في هذه الوثيقة الوقفية المباركة نجد أنها -في بادئ النظر- ورقة مكتوبة، لكنها -حين التأمل- نواة "حوكمة الأوقاف" الذي ظلّ حاضرًا حتى يومنا هذا. وعندما نقرأ هذه الوثيقة، تتجلى لنا مبادئ ثمانية لا غنى عنها لكل واقفٍ أو ناظرٍ أو مستشار وقفي، وهي: ·       وضوح المقصد: فبدون مقصد محدد تصبح المصارف فضفاضة، ويفتح باب الاجتهاد الخاطئ؛ فيتعثر الوقف، ويضيع الأثر. ·       مرجعية مُعتمدة: فالوثيقة أصل فقهي، ومرجع نظام...

معالم وقفية: وصيةٌ أم وقف!

  وصيةٌ أم وقف! أوقفتُ عملي، واستدرتُ نحو قلمي لأكتب هذه الأسطر؛ لأن الضرورة الفكرية ألجأتني لتدوين الكلمات، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. العملُ الذي أوقفته كان أيضاً سبباً في جذوة هذا المقال؛ إذ كنت أدرس وثيقة وصية وردتني فيها نزاع وشقاق، وهي الثالثة التي تصلني خلال هذا الأسبوع من الجلسات الاستشارية الوقفية.  والأسئلةُ المبدوء بها: لماذا يلجأ المحسنون إلى الوصية دون الوقف؟ أليست لهم رغبة في البحث عن الأجر الأعظم، والثواب الأدوم؟ ألم يدفعهم الحثّ النبوي على الوصية بكتابتها وإثباتها؟ أوَلَهُم رغبة في نفع ذريتهم، وصلة رحمهم، وامتداد أجرهم بعد موتهم في ميادين البر والإحسان المتنوعة؟ والجواب على كل تلك الأسئلة وغيرها: بلى، ولو تكلم أموات المُوْصِين لصاحوا بها! لا شك أن الوصية لها فضل عظيم لا يخفى، ولكن الوقف أفضل منها، وأجدر بتحقيق جميع ما في نفس الموصي وأكثر، فالوقف فيه اتباع لسنة النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-، فمن نظر في سيرهم وجد أن الوقف حاضراً في حياتهم، وظاهراً في مسيرة أعمارهم مقارنة بالوصية. كما أن الوقف في حياة المرء فيه مسارعة لرضا الله تعالى، ومسابقة...