التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التحفيز على تطبيق الحوكمة في الأوقاف


 


 التحفيز على تطبيق الحوكمة في الأوقاف

 


تبذل الهيئة العامة للأوقاف -مشكورة- جهوداً في تنظيم كل ما من شأنه الارتقاء بقطاع الأوقاف، ومن آخر مشاريعها المتميّزة: مشروع وثيقة مبادئ حوكمة الأوقاف، والذي يسعى لتعزيز أفضل ممارسات الحوكمة في المجال الوقفي، وتطوير قواعدها وسياساتها؛ بما يسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الوقفية، والاستدامة المؤسسية، والآثار الاجتماعية، ويقوّي التكامل بين الجهات الرقابية والتشغيلية؛ لتحقيق الامتثال الفعّال.

ودَعَت الهيئة جميع المعنيين بالقطاع الوقفي مشاركتها الرأي في المشروع من خلال رابط المشاركة في منصة استطلاع التابعة للمركز الوطني للتنافسية عبر الرابط التالي: https://t.co/njVkSM4y88.

وقد أرسل إليّ الأخ العزيز مدير الإدارة العامة بوقف الشريف غالب الأستاذ الشريف: محمود بن هاني آل غالب -وفقه الله- بإحسان ظنّ منه في أخيه -جزاه الله خيراً- تعليقه ورأيه المبارك في المشروع -وهو منشور في التعليقات على المشروع في منصة استطلاع-، ورأيتُ ضمن اقتراحاته وضع نظام تصنيف ثلاثي لتحفيز الأوقاف على الالتزام بالحوكمة، ويكون إطاراً تدريجياً لتطبيق مبادئ الحوكمة في الأوقاف، بما يتناسب مع نموها وتطوّر ظروفها كما نصّت على ذلك وثيقة المشروع المنشورة في منصة استطلاع الآراء؛ وقد استأذنْتُه -وفقه الله- ليكون الاقتراح سراج هذا المَعْلم المَقاليّ؛ فأَذِنْ.

ليس خافياً على كل ذي لبّ أن الحوكمة اليوم مطلبٌ أساسيٌ في جميع القطاعات، ويكون ذلك ألزم في قطاع الأوقاف المتميّز بطبيعته الاستدامية، وشرعيّته الإلزامية، وأثره بلا حد، وخيره الممتد، ومع تعدد أشكال الأوقاف وأحجامها؛ أصبح لزاماً تطوير تصنيف عملي يُراعي هذا التنوع، ويُسهم في توجيه الالتزام التدريجي بمبادئ حوكمة الأوقاف.

ومن أساسيات الامتثال في الحوكمة النظر إليه برؤية تصاعدية تتراوح بين الطواعية التشغيلية والإلزام التنظيمي، وقد تبنّت وثيقة "مبادئ حوكمة الأوقاف" هذا المفهوم المرن المتماشي مع روح الوقف؛ لذا جاء اقتراح تصنيف الأوقاف الملتزمة بمبادئ الحوكمة إلى قسمة ثلاثية: (برونزي، وفضي، وذهبي)؛ ليربط درجة الالتزام بمتغيرات متعددة، مثل: حجم الوقف، ونوعه، وقدر الأصول، وعدد المستفيدين، وغير ذلك.

وهذه القسمة الثلاثية تنطلق من القاعدة الشهيرة: "شرط الواقف كنص الشارع" من زاوية إلزام الناظر بالسعي لمصلحة الوقف بما لا يخالف الشرع وشرط الواقف، وتتماشى مع كون يد الناظر يد أمانة لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط أو مخالفة شرط الواقف؛ فيفتح أفق الحلول الحديثة؛ لضمان الاستدامة والشفافية.

ويمكن وضع سمات تنظيمية، ودرجة التزام لهذا التصنيف الثلاثي حسب الجدول الآتي:

التصنيف

السمات التنظيمية

درجة الالتزام

البرونزي

الالتزام المبدئي، تطبيق جزئي للمبادئ، بدون تقارير منتظمة     

منخفض

الفضي

وجود سياسات مكتوبة، تقارير دورية داخلية، حوكمة نسبية

متوسط

الذهبي

تطبيق شامل، حوكمة رقمية، تقارير مراجعة خارجية، مؤشرات أداء

عالي

 
ويمتاز هذا التصنيف بأنّه أداة استراتيجية للنظار والجهات الإشرافية على حد سواء؛ فهو يحسّن جودة الإدارة الوقفية من خلال ربط مستوى الامتثال بمؤشرات أداء واضحة، ويحفّز الأوقاف على التميز الوقفي؛ فتتنافس الأوقاف تنافساً محموداً إيجابياً ينعكس على القطاع بالنجاح، ويساعد الجهات الإشرافية على تخصيص الموارد والرقابة بناءً على مستوى النضج الحوْكمي، ويرفع الثقة المجتمعية من خلال ما ينتج من شفافية متحققة من الحوكمة التي تعزز ثقة الواقفين والمستفيدين، ويقلل المخاطر التشغيلية، فكلما ارتفع التصنيف؛ زادت أدوات الوقاية من ضعف الإدارة الوقفية، كما أنه يوفر حلاً عملياً يتواءم مع تنوع الأوقاف، ويُسهم في رفع كفاءتها.

وبعد أيها الناظر:

  عليك "بحوكمة" الأمور فإنها

               نجاة ولا تركب ذلولاً ولا صعبا



 وهذا ختم المَعْلَم.


د. أسامة بن علي الغانم

متخصص في تطوير الأعمال في الأوقاف والقطاع غير الربحي والمستشار في الأوقاف والوصايا

0504496494

 dr.oalghanem1@gmail.com





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من وثيقةِ عمر-رضي الله عنه- إلى وثائقِنا اليوم!

من وثيقةِ عمر-رضي الله عنه- إلى وثائقِنا اليوم يقف الفاروق عمر -رضي الله عنه- على أرض خضراء في خيبر تتلألأ بالنخيل، يتأمل ملكًا نفيسًا وهبه الله له، وقلبه يتوق أن يجعله صدقة جارية لا تنقطع، فيُولّي شطر قلبه إلى رسول الله ﷺ يستشيره، فيجيبه ﷺ بكلمات خالدة: "إن شئت حبّست أصلها، وتصدّقت بها". فكتب عمر -رضي الله عنه- أول وثيقة وقفية مكتوبة في الإسلام، وحدد فيها المقاصد والأغراض، وضبط الشروط والمصارف، ووضع صلاحيات التصرّف؛ ليضع هذا الصحابي الجليل المُلهم حجر الأساس لأعظم نظام استثماري اجتماعي مستدام تعرفه البشرية، وهو: "الوقف". وحين النظر في هذه الوثيقة الوقفية المباركة نجد أنها -في بادئ النظر- ورقة مكتوبة، لكنها -حين التأمل- نواة "حوكمة الأوقاف" الذي ظلّ حاضرًا حتى يومنا هذا. وعندما نقرأ هذه الوثيقة، تتجلى لنا مبادئ ثمانية لا غنى عنها لكل واقفٍ أو ناظرٍ أو مستشار وقفي، وهي: ·       وضوح المقصد: فبدون مقصد محدد تصبح المصارف فضفاضة، ويفتح باب الاجتهاد الخاطئ؛ فيتعثر الوقف، ويضيع الأثر. ·       مرجعية مُعتمدة: فالوثيقة أصل فقهي، ومرجع نظام...

معالم وقفية: وصيةٌ أم وقف!

  وصيةٌ أم وقف! أوقفتُ عملي، واستدرتُ نحو قلمي لأكتب هذه الأسطر؛ لأن الضرورة الفكرية ألجأتني لتدوين الكلمات، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. العملُ الذي أوقفته كان أيضاً سبباً في جذوة هذا المقال؛ إذ كنت أدرس وثيقة وصية وردتني فيها نزاع وشقاق، وهي الثالثة التي تصلني خلال هذا الأسبوع من الجلسات الاستشارية الوقفية.  والأسئلةُ المبدوء بها: لماذا يلجأ المحسنون إلى الوصية دون الوقف؟ أليست لهم رغبة في البحث عن الأجر الأعظم، والثواب الأدوم؟ ألم يدفعهم الحثّ النبوي على الوصية بكتابتها وإثباتها؟ أوَلَهُم رغبة في نفع ذريتهم، وصلة رحمهم، وامتداد أجرهم بعد موتهم في ميادين البر والإحسان المتنوعة؟ والجواب على كل تلك الأسئلة وغيرها: بلى، ولو تكلم أموات المُوْصِين لصاحوا بها! لا شك أن الوصية لها فضل عظيم لا يخفى، ولكن الوقف أفضل منها، وأجدر بتحقيق جميع ما في نفس الموصي وأكثر، فالوقف فيه اتباع لسنة النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-، فمن نظر في سيرهم وجد أن الوقف حاضراً في حياتهم، وظاهراً في مسيرة أعمارهم مقارنة بالوصية. كما أن الوقف في حياة المرء فيه مسارعة لرضا الله تعالى، ومسابقة...