تحت رواق الاستدامة!
استظل المهتمون والعاملون في قطاع الأوقاف
تحت رُوَاق ملتقى "نمو" للاستدامة المالية، والذي أقامته -مشكورة-
الهيئة العامة للأوقاف في صباح يوم الأربعاء بتاريخ 20 / 8 / 1446 الموافق 19 / 2
/ 2025، حيث عُرضت فيه تجارب ناجحة، وأُطلقت فيه منتجات مالية وقفية، ووُقّعت فيه
عدد من الاتفاقيات والمذكرات، وطُرحت فيه أوراق عمل متخصصة، والتقى الخبراء والمشتغلون
في الأوقاف ببعضهم، فنسأل الله أن يبارك في الجهود، ويحقق المُنى.
ولا يخفى على شريف علم القارئ أن الأوقاف
منظومة اقتصادية، وكل نجاح ونمو اقتصادي مرتبط بتحقيق الاستدامة المالية في
مؤسساته، فكيف إذا كانت الاستدامة من الأصول التي تبنى عليها الأوقاف، وغاية من
غاياتها ومقاصدها، وخصيصة من خصائصها الأصلية، فهي مستدامة بصورتها الشرعية وطبيعة
تأسيسها؛ لذا نجد لفظ التأبيد مع إحداث الأثر ظاهراً بجلاء في مفهوم الوقف
وتعريفاته، وتفرّعت عنه مسائل فقهية متعددة مثل: منع البيع أو الاستبدال أو التصرف
في الوقف إلا بضوابط شرعية تحقق الغبطة والمصلحة له.
والفهم للشيء وحسن تصوّره يتحقق به ما
يحسن، ولكي تُفهم "الاستدامة المالية" بشكل دقيق يجب أن يُعلم أنها حالة
متغيّرة وليست نتيجة نهائية، فهي وضعٌ مالي يمكّن الوقف من إبقاء أصوله مثمرة، واستمرار
نموه وتحقيق أهدافه، وأداء غايته في كل وقت، والمراد أنها تشمل المدى القصير
والمتوسط والبعيد للوقف.
كما أنه يجب معرفة مفهوم "القدرة
المالية" للوقف؛ إذ هي: الحدّ المالي لقدرة الوقف على امتلاك الأدوات المعينة
له على التوسع في الفرص المناسبة، واستيعاب الخسائر دون تأثر كبير في وظائفه الوقفية
الأساسية، والتعامل مع المخاطر وإدارتها، والتعامل مع مستويات الموارد المالية
والبشرية المتاحة.
ومن هنا يُلحظ أن "القدرة المالية"
أخصّ من "الاستدامة المالية"، وتابعة لها، فكلما ارتفعت قدرة الوقف
المالية -بممكناتها العالية-؛ كانت إلى الاستدامة أقرب، كما أن "القدرة
المالية" مرتبطة بالتخطيط الزمني قصير المدى، والتخطيط الأمثل للموارد، الذي
بدوره يؤمّن الوقف من التقلبات الاقتصادية.
ووجود المؤشرات القياسية للقدرة والاستدامة
المالية في الأوقاف لا يتوقف عند الأداء المالي بل يتعداه لقياس قدرتها على الاستمرار،
وكفاءتها في النمو، وقوّتها في حماية الوقف وعمارة أعيانها، ومعينة للناظر أو مجلس
النظارة في تحقيق شرط الكفاية في التصرف، والخبرة به، وحسن الرأي فيه، وتقودهم إلى
ترشيد قرارات الاستثمار، وتوجيهها إلى الأفضل، وتساعد على وضع الوسائل الرقابية؛
لتصحيح الأخطاء والانحرافات، والتعامل مع التغيرات المختلفة، إلى غير ذلك مما
سأفصّله في مقال قادم بإذن الله تعالى.
وإذا كان الهدفان الرئيسان للاستدامة
المالية هما: البقاء، والنمو، فليس لهما سبيل إلا بالتركيز على معرفة "القدرة"
و"الاستدامة" المالية، ومعرفة التموضع السوقي للوقف، حتى يستطيع أن يعرف
من أين يبدأ، ويدرك مكامن الطريق الذي سيسير عليه، فإن أكثر ما يخطئ فيه العاملون في
الأوقاف عدم تمييزهم لما ذكرتُ من "القدرة" و"الاستدامة".
ومن واجب القول أن "الاستدامة المالية"
تتحقق بعوامل مالية وغير مالية، إلا أن التركيز على "العوامل المالية"
يجب أن يكون أكثر؛ لقدرة النظار على قياسها، وتعظيم أثرها، كما أنه يجب على
العاملين في مشاريع الاستدامة معرفة الأسس الأربعة التي تقوم عليها
"الاستدامة المالية" وهي: الاعتماد التشغيلي الذاتي، وتنويع محفظة
الاستدامة وزيادة مواردها، والكفاءة في صرف الريع، ورُشد الإدارة الوقفية المالي.
وإلى هنا يكون فيءُ الرُّواق قد قَصُر، وإذا
ما قَصّرت أقلامنا عن حقوق للفضلاء كبار، فالذي قد أظل برواق ملتقى الاستدامة من
البهاء يكفي عن كثير الاعتذار، وهذا ختم المَعْلَم.
د.
أسامة بن علي الغانم
متخصص
في تطوير الأعمال في القطاع غير الربحي والمستشار في الأوقاف والوصايا
0504496494
dr.oalghanem1@gmail.com

تعليقات
إرسال تعليق