التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"الهندسة" في رمضان.. نظرة تطويرية لموسم تسويقي رمضاني ناجح للجمعيات الخيرية

"الهندسة" في رمضان.. نظرة تطويرية لموسم تسويقي رمضاني ناجح للجمعيات الخيرية


"100" مئة يوم -وما قاربها- هي الباقية على الموسم السنوي التسويقي الكبير للجمعيات الخيرية في المملكة العربية السعودية، والذي يُعَدُّ تاج قنوات الموارد الزمنية، وتَعُدُّ له الجمعيات -مشكورة مأجورة- عُدّتها، وتسخّر لأجله إمكاناتها.

ولا تخلو الجمعيات اليوم -بحمدالله تعالى- من وعي جيّد حول أهمية التسويق عامّة، فهي تُجري عملياتها التسويقية اليومية بشكل منتظم، وتكثّف جهودها المتنوعة له في الموسم الرمضاني خاصّة.

 ولأجل الإعداد لموسم رمضاني تسويقي متميّز؛ أجد من الضروري الحديث عن : "إعادة هندسة عمليات التسويق" (Marketing Process Reengineering) والتي يُقصد بها: إعادة تصميم وتحسين عمليات التسويق الموسمية؛ بهدف تحقيق تطورات جذرية في الكفاءة والفعالية والجودة، والتي ينتج عنها تحقيق النمو في الموارد المالية، وذلك من خلال إعادة النظر في العمليات التسويقية الموجودة، وإعادة تشكيلها بشكل مبتكر، مبني على أفضل الممارسات التسويقية، واستخدام التكنولوجيا والأدوات الحديثة والأفكار النوعية، بعيداً عن التقليدية التسويقية التي تقلل من فاعلية الاستفادة من الموسم الرمضاني.

وتكمن أهمية "إعادة هندسة عمليات التسويق" في الموسم الرمضاني للجمعيات الخيرية في تطوير الكفاءة وزيادة الإنتاجية التسويقية، ورفع جودة الخدمات، وتحسين تجربة العميل "المتبرع"، مع تقليل وترشيد التكاليف والموارد المستخدمة في تنفيذها، متكيّفةً مع احتياجات مستفيديها، ورغبةِ وسلوكِ متبرعيها، ومنافسةً -بشكل أخلاقي ومحمود- مثيلاتها في القطاع، ومقدّمةً نموذجاً تسويقياً رائداً لجذب متبرعين جدد، مع المحافظة على المتبرعين الحاليين؛ مما يسهم في بناء علاقات أفضل وأطول مع المتبرعين، وتحقيق الرضا والولاء للمستفيدين.

ولأن "إعادة هندسة عمليات التسويق" عملية مهمة جداً تتطلب التخطيط والتنفيذ الجيد، إضافة إلى المشاركة والتواصل الفعال بين جميع أفراد فريق العمل؛ أرى -باختصار- من المهم القيام بمقومات نجاحها من خلال ما يأتي:

أولاً: وجود تأييد ودعم قوي من مجلس الإدارة لإعادة هندسة عمليات التسويق، وأن يكونوا ملتزمين بتخصيص الموارد اللازمة، وإزالة العوائق التي تواجه العملية.

ثانياً: بناء خطة واضحة الرؤية للتغيير والتحسين في عمليات التسويق، يقودها فريقٌ كفؤ قادرٌ على تحقيق الأهداف.

ثالثاً: فهمٌ شاملٌ للعمليات التسويقية القائمة، والأداء التسويقي الحالي، وذلك يشمل جميع المعلومات والأنشطة المختلفة والعلاقات مع العملاء؛ لكي يستطيع الفريق تحليلها، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى التحسين.

رابعاً: مشاركة جميع أصحاب المصلحة -ومن أهمهم العملاء "المتبرعين"-؛ لضمان فهم واضح للأهداف والتحسينات المطلوبة.

خامساً: البناء للعمليات بمبدأ الابتكار والتنفيذ الفعّال، فيقوم الفريق بتصميم العمليات المحسَّنة بشكل مبتكر وفعال، مع مراعاة أفضل الممارسات، واحتياجات المستفيدين، وسلوك ورغبة المتبرعين، مع ضمان تنفيذ التغييرات بطريقة مفهومة وفعالة.

سادساً: وضع مقياس للأداء قابل للقياس، مع نماذج لمراقبة عمليات التحسين المستمر للعمليات التسويقية، مع الأخذ في الاعتبار جميع ما يتعلق بتحليل النتائج وتقييم فعالية التحسينات التي نُفذت، مع مواصلة التحسين المستمر، وتكرار العملية لتحقيق أفضل النتائج.

ومن جدير القول أن "إعادة هندسة عمليات التسويق" قد تستدعي تغييرات جوهرية ومبتكرة في الشكل الذي تتبعه الجمعية في تنفيذ استراتيجيات التسويق، وتنظيمها، وتنفيذها؛ لذا فمن المهم أن تتضمن هذه التغييرات تبني تقنيات وأدوات جديدة، وإعادة توزيع المهام والمسؤوليات، وتحسين التواصل والتنسيق الداخلي، وتبني عمليات مبتكرة لتحقيق الفعالية والكفاءة.

وعموماً فإن "إعادة هندسة عمليات التسويق" تعتبر استراتيجية هامة للجمعيات الخيرية؛ لتحقيق التحسين المستمر، والابتكار والتطوير في مجال التسويق، وتنمية قدراتها في مواجهة التحديات للوصول للاستدامة المالية المطلوبة، ولا شيء أفضل من موسم رمضان لاغتنام فرصته في تنفيذ هذه الاستراتيجية.

وأقترح أن تقام دورة تدريبية في مثل هذه الأيام؛ لتمكين فرق التسويق في الجمعيات الخيرية على التخطيط والبناء لـ "إعادة هندسة عمليات التسويق"؛ لتحقق الجمعيات مقاصدها واستدامتها، وتتطور فرقها التسويقية.

 

 

 

د. أسامة بن علي الغانم

متخصص في تطوير الأعمال في القطاع غير الربحي والمستشار في الأوقاف والوصايا

dr.oalghanem1@gmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التحفيز على تطبيق الحوكمة في الأوقاف

   التحفيز على تطبيق الحوكمة في الأوقاف   تبذل الهيئة العامة للأوقاف -مشكورة- جهوداً في تنظيم كل ما من شأنه الارتقاء بقطاع الأوقاف، ومن آخر مشاريعها المتميّزة: مشروع وثيقة مبادئ حوكمة الأوقاف ، والذي يسعى لتعزيز أفضل ممارسات الحوكمة في المجال الوقفي، وتطوير قواعدها وسياساتها؛ بما يسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الوقفية، والاستدامة المؤسسية، والآثار الاجتماعية، ويقوّي التكامل بين الجهات الرقابية والتشغيلية؛ لتحقيق الامتثال الفعّال. ودَعَت الهيئة جميع المعنيين بالقطاع الوقفي مشاركتها الرأي في المشروع من خلال رابط المشاركة في منصة استطلاع التابعة للمركز الوطني للتنافسية عبر الرابط التالي: https://t.co/njVkSM4y88 . وقد أرسل إليّ الأخ العزيز مدير الإدارة العامة بوقف الشريف غالب الأستاذ الشريف: محمود بن هاني آل غالب -وفقه الله- بإحسان ظنّ منه في أخيه -جزاه الله خيراً- تعليقه ورأيه المبارك في المشروع -وهو منشور في التعليقات على المشروع في منصة استطلاع-، ورأيتُ ضمن اقتراحاته وضع نظام تصنيف ثلاثي لتحفيز الأوقاف على الالتزام بالحوكمة، ويكون إطاراً تدريجياً لتطبيق مبادئ الح...

من وثيقةِ عمر-رضي الله عنه- إلى وثائقِنا اليوم!

من وثيقةِ عمر-رضي الله عنه- إلى وثائقِنا اليوم يقف الفاروق عمر -رضي الله عنه- على أرض خضراء في خيبر تتلألأ بالنخيل، يتأمل ملكًا نفيسًا وهبه الله له، وقلبه يتوق أن يجعله صدقة جارية لا تنقطع، فيُولّي شطر قلبه إلى رسول الله ﷺ يستشيره، فيجيبه ﷺ بكلمات خالدة: "إن شئت حبّست أصلها، وتصدّقت بها". فكتب عمر -رضي الله عنه- أول وثيقة وقفية مكتوبة في الإسلام، وحدد فيها المقاصد والأغراض، وضبط الشروط والمصارف، ووضع صلاحيات التصرّف؛ ليضع هذا الصحابي الجليل المُلهم حجر الأساس لأعظم نظام استثماري اجتماعي مستدام تعرفه البشرية، وهو: "الوقف". وحين النظر في هذه الوثيقة الوقفية المباركة نجد أنها -في بادئ النظر- ورقة مكتوبة، لكنها -حين التأمل- نواة "حوكمة الأوقاف" الذي ظلّ حاضرًا حتى يومنا هذا. وعندما نقرأ هذه الوثيقة، تتجلى لنا مبادئ ثمانية لا غنى عنها لكل واقفٍ أو ناظرٍ أو مستشار وقفي، وهي: ·       وضوح المقصد: فبدون مقصد محدد تصبح المصارف فضفاضة، ويفتح باب الاجتهاد الخاطئ؛ فيتعثر الوقف، ويضيع الأثر. ·       مرجعية مُعتمدة: فالوثيقة أصل فقهي، ومرجع نظام...

معالم وقفية: وصيةٌ أم وقف!

  وصيةٌ أم وقف! أوقفتُ عملي، واستدرتُ نحو قلمي لأكتب هذه الأسطر؛ لأن الضرورة الفكرية ألجأتني لتدوين الكلمات، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. العملُ الذي أوقفته كان أيضاً سبباً في جذوة هذا المقال؛ إذ كنت أدرس وثيقة وصية وردتني فيها نزاع وشقاق، وهي الثالثة التي تصلني خلال هذا الأسبوع من الجلسات الاستشارية الوقفية.  والأسئلةُ المبدوء بها: لماذا يلجأ المحسنون إلى الوصية دون الوقف؟ أليست لهم رغبة في البحث عن الأجر الأعظم، والثواب الأدوم؟ ألم يدفعهم الحثّ النبوي على الوصية بكتابتها وإثباتها؟ أوَلَهُم رغبة في نفع ذريتهم، وصلة رحمهم، وامتداد أجرهم بعد موتهم في ميادين البر والإحسان المتنوعة؟ والجواب على كل تلك الأسئلة وغيرها: بلى، ولو تكلم أموات المُوْصِين لصاحوا بها! لا شك أن الوصية لها فضل عظيم لا يخفى، ولكن الوقف أفضل منها، وأجدر بتحقيق جميع ما في نفس الموصي وأكثر، فالوقف فيه اتباع لسنة النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-، فمن نظر في سيرهم وجد أن الوقف حاضراً في حياتهم، وظاهراً في مسيرة أعمارهم مقارنة بالوصية. كما أن الوقف في حياة المرء فيه مسارعة لرضا الله تعالى، ومسابقة...